تصريحات فراس السواح المتتالية حول الحجاب في كونه أحد مظاهر التخلف وظاهرة يجب التخلص منها أثارت زوبعة كبيرة وصلت إلى شتمه والتعرض له بأقذع العبارات، وبعضها جاء من يساريين أعرفهم كانوا على موقف موازٍ لموقفه في لحظة، لكنهم يرون أن توقيته كان خاطئاً، ويحمل أهدافاً أخرى غير النقاش، ويفتت ما هو مفتت.
وأنا لست بصدد الجدل حول الحجاب، كجزء من العقيدة أو خارجها، وضد التعاطي مع الرجل بهذه الطريقة وإن كانت الردود جاءت بمستوى الطرح الذي لم يكن لائقاً بباحث ودارس ومثقف بمستوى السواح الذي لم يتعاطَ مع رأيه كما يليق به، ومع ذلك يبدو أن موضة التعرض لمعتقدات الناس باتت أمراً يجب التوقف عنده.
في الآونة الأخيرة دأب الكثير من المثقفين والفنانين على التعرض لبعض ما يعتبره الناس مقدساً، ولم يكن كل هؤلاء على مستوى الحوار، والبعض من هؤلاء آثر الصمت أو الاعتذار بعد أن ناله من الشتائم والتحقير ما جعل منه (نكتة) ذهبت بكل تاريخه الفني، وكان بغنى عن رأي متسرع أو في غير توقيته ومكانه، أو قد خانته لغة التعبير عما أراد قوله على الأقل.
يوسف زيدان وعباس النوري وبغض النظر عن مكانتهما واختصاصهما وطريقة تناولهما شخصية وتاريخ صلاح الدين الأيوبي وقعا في محظور القداسة التي يراها الناس في شخصية تاريخية وإسلامية لها ما لها وعليها ما عليها، ولكن الضرب على مفهوم المجموع بهذه البشاعة كانت خطأً قاتلاً وجسيماً، وذلك أن الرأي عند كليهما وصل إلى الشتم والتخوين، وهذا ما لم يمكن أن تقبله الخاصة فكيف بالعامة الذين يرون أنه تم الاعتداء عليهم مباشرة فيما يؤمنون به.
ما يفعله اليوم فراس السواح يبدو أكثر خطورة في كونه يلامس اعتقاد أغلبية مؤمنة بالحجاب أولاً وتراه في صلب عقيدتها، والأخطر أنه يأتي في ظل حرب شعواء على الإسلام، ومحاولة شيطنته وتصديره على أنه دين الارهاب والتخلف فيصب الرأي في خانة هذه الحرب، وحتى لو كان هذا الرأي يحتمل النقاش إنما توقيته وطريقة طرحه لا يمكن فهمها في ظل صراع كبير كهذا إلا تحت هذا السقف الضيق.
كان يمكن لكل هؤلاء أن يقولوا ما شاؤوا في ظرف مختلف عما يجري في العالم العربي والعالم من صراعات واستقطابات متطرفة، وكان من الممكن لآرائهم أن تجد من يؤيدها ويتوافق معها، وكان من الممكن أن تأتي تحت عناوين أخرى كالإصلاح والاجتهاد وترميم صورة المسلم في عالم يراه على النقيض.
كان من الممكن أن تناقش شخصيات التاريخ العربي والإسلامي خارج هالة التقديس دون التعرض لها وتخوينها، وتحطيمها في عيون من تربوا على أنها المخلّصة والقدوة، ولكن هذه الفجاجة لا تصنع رأياً يمكن أن يُسمع.
وجد هؤلاء من يشتمهم وهذا يبدو أقل مخاطر الرد فيما آخرون تم هدر دمهم فالطرف الآخر لديه من النصوص ما يدفع بها للمواجهة، وفجاجة القول يمكن أن يقابلها فجاجة الرد..طوبى للحكماء.
*عبد الرزاق دياب - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية