مرض أسماء الأسد... ماهر شرف الدين*
من سرطان حافظ الأسد إلى سرطان أسماء الأسد، تغيَّر الأسلوب فقط.
***
كان سرطان الدم الذي أُصيب به حافظ الأسد أحد أكبر أسرار النظام التي حاول التكتُّم عليها. شرخٌ كبيرٌ يُراد إخفاؤه بأيّ شكلٍ من الأشكال في الصورة العملاقة للرجل الذي ادَّعى بأنه سيبقى "قائداً إلى الأبد". كان "الأبد" أحد أكثر أدوات الإرهاب النفسيّ فاعليةً للبقاء في الحكم، ولا يجوز لهذا "الأبد" أن يكون مريضاً.
لقد فهمَ "الأبد" المريض منذ سنة 1983 (تاريخ تشخيص المرض إثر إصابة حافظ الأسد بنوبة قلبية) بأنَّ دكتاتوراً صعد إلى سدَّة الحكم بالعنف، لا يمكن لـ"الصورة الإنسانية" أن تخدم بقاءه. الترويج الوحيد الذي يمكن من خلاله تثبيت أركان حكمه هو صورة الرجل الذي لا يمرض ولا يموت. صورة الرجل المخيف الذي يُخيف حتى الزمن فيمرّ عليه خفيفاً على رؤوس الأصابع.
لقد فهمَ الدكتاتور المريض بأنَّ إكسير الخلود في الحكم هو الإيحاء بامتلاكه إكسير الخلود في الحياة. وقد وجد تطبيقاً لهذه النظرية في ترسيخ الصورة القاسية للرجل القاسي.
***
في شهر آب 2018 أُعلنَ بشكل رسميّ، وعبر مواقع وصفحات رسمية حكومية، إصابة أسماء الأسد بسرطان الثدي.
مَنْ فكَّر بالأسلوب القديم للنظام، أدهشه صدور هذا الإعلان!
كانت المأساة الإنسانية قد بلغت ذروتها في البلاد، والضحايا السوريون قد صاوا صورةً ناطقةً للعذاب البشري في كلّ وسائل إعلام الدنيا، حين ظهرت أسماء الأسد لتعلن مرضها سارقةً الأضواء من ملايين الضحايا للآلة العسكرية التي يقودها زوجها.
يومذاك، كتبتُ على صفحتي الشخصية بأن أسماء الأسد "تستكثر" تعاطف العالم مع ضحايا سوريا، فتحاول سرقة الأضواء منهم. فهي السيّدة الأولى في كلّ شيء. وحين تمرض فلا بدَّ أن يكون ترتيبها الأوَّل. وحين تكون صاحبة وجعٍ فلا بدَّ أن يتقدَّم وجعها على أوجاع سواها. وهذا ما حصل فعلاً.
فقد شغلت أسماء الأسد الإعلام بقصَّة مرضها. شغلته بألوان أغطية الرأس التي ترتديها في إطلالاتها المتلاحقة. شغلته بزيارتها لمشفى تشرين العسكري.
الوشاح الذي قصدتْ به تغطية تساقط شعرها، قصدتْ به أيضاً تغطية دورها الرهيب في تأمين الوجه المدنيّ والعصريّ (اللاعب الجيّد على أوتار التقييم الغربي) لحكم الاستبداد في سوريا.
وما كان مضرَّاً بصورة الحكم في الماضي (مرض حافظ الأسد)، صار مفيداً لصورة الحكم في الحاضر (مرض أسماء الأسد). وما كان الحديث عنه "خيانة عظمى" بالأمس (سرطان الدم)، صار الحديث عنه "واجباً وطنياً" اليوم (سرطان الثدي)، يستدعي إطلاق أسرابٍ من هاشتاغات الدعم على وسائل التواصل الاجتماعي لـ"سيّدة الياسمين".
حملة الترويج الدعائية التي أعطتها أسماء الأسد كلَّ وقتها قبل الثورة، والتي دمَّرتها مجازرُ زوجها، وجدت نافذةً جديدةً غير متوقَّعة للعودة بزخم كبير. و"الوردة في صحراء" (الاسم المدفوع الثمن الذي أطلقته عليها مجلَّة "فوغ" الفرنسية) وجدتْ رذاذاً منعشاً أعاد إحياءها بعدما تحوَّلت إلى شوكة في حلق كلّ صحافي أجنبي سبق له أن امتدحها.
إنَّ "الشفافية" التي أراد النظام إظهارها سنة 2018، ليست أكثر من نسخة ملوَّنة لصورة الأبيض والأسود التي التُقطتْ سنة 1983. وما حدث هو أنَّ الطاقية السوداء، التي اعتمرها حافظ الأسد في سنواته الأخيرة، حلَّ مكانها الوشاح الملوَّن على رأس أسماء.
*معارض سوري - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية