من البداهة ألَّا يكتب الصحافي نقداً لفيلمٍ ما إلَّا بعد مشاهدته.
فيلم "أمينة" يكسر هذه القاعدة.
***
الملصق الذي نشره مُخرج فيلم "أمينة"، أيمن زيدان، على صفحته، والذي يحمل شعار راعي الفيلم، شركة "سيرياتيل"، لصاحبها رامي مخلوف، يُغني عن مشاهدة الفيلم.
فهذا الإعلان عن رعاية إمبراطور النهب والجريمة الاقتصادية المنظَّمة في سوريا لفيلم يتحدَّث عن مأساة الأمّ السورية، لا يُفرغ هذا العمل السينمائي من معناه فحسب، بل يجعل حكمنا عليه مُبرماً قبل مشاهدة أيّ مقطع فيه.
رامي مخلوف، أحد أبرز المساهمين في مأساة الأمَّهات السوريات، يرعى فيلماً عن مأساة الأمَّهات السوريات!
رامي مخلوف، الذراع الاقتصادية لأخطبوط آل الأسد، والذي اتفق أغلب السوريين -حتى قبل زمن الثورة- على تحوير اسمه الأوَّل ليصبح "حرامي"، يرعى فيلماً يُصوّر الألم السوري الذي يُعتبر من كبار صنَّاعه!
رامي مخلوف، أحد أكبر أثرياء هذه الحرب، يرعى فيلماً يتحدَّث عن استغلال أثرياء الحرب لمأساة السوريين! (يقول زيدان عن بطلة فيلمه بأنَّ "أحد أثرياء الحرب يحاول استغلال فقرها ويعرض الزواج على ابنتها"! جريدة "الوطن"، 20 كانون الثاني 2019 – صاحب الجريدة رامي مخلوف أيضاً).
إنَّ الاستثمار في المأساة قبيحٌ حين يصدر من السياسة، لكنه مروّعٌ حين يصدر من الفنّ.
إنَّ قبول الفنَّان بأن يكون جزءاً من ماكينة الحرب المعلنة على شعبه، ليس جريمةً عاديةً حين يكون هذا الفنَّان قد أمضى حياته متفيّئاً بظلال يافطات وجدانية تخصّ التعبير عن أوجاع الناس.
"الرعاية" في هذه الحالة ليست أكثر من كلمة مُلطَّفة لصفقة بيع الضمير. ليست أكثر من ستارةٍ تُخفي خلفها حركةَ يد رامي مخلوف وهو يدسُّ المال في جيب أيمن زيدان (مخرج الفيلم) ونادين خوري (بطلته).
لقد وصل السقوط بأيمن زيدان إلى درجة أن يكتب بيدٍ محتجَّاً على الأزمة الاقتصادية في سوريا بينما هو يقبض من رامي مخلوف باليد الأخرى. تماماً كما وصل السقوط بزميلته شكران مرتجى إلى درجة أن تكتب محتجَّةً عن الأزمة المعيشية في البلد بينما هي تنشر، بسعادةٍ، ملصقاً دعائياً لإحدى مشاركاتها المرعيَّة من رامي مخلوف أيضاً! (إذا لم يكن مخلوف مقصوداً بانتقاد هؤلاء الفنَّانين، فمن يكون المقصود إذاً؟).
إنَّ فنَّاني سوريا الذي تمَّ تسويقهم بالأمس على أنهم فخرُ سوريا، اتَّضح اليوم بأنهم عارُها. اتَّضح بأنهم إذا كانوا "نجوماً" حقاً، فليس في سماء الفنّ، بل على أكتاف الضبّاط الذين يقودون آلة الحرب في البلاد.
لقد انكشف أمر هؤلاء حتى أنه صار بوسعنا كتابة مقالٍ عن فيلم لم نرَ منه إلا الملصق!
*معارض سوري - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية