ما زالت آلة إعلام النظام تكرر جرائمها بحق السوريين سواء أكانوا معارضين له، أو حتى مؤيدين، أم كانوا صامتين عاجزين لا يستطيعون تأمين كفاف يومهم، وهم جميعاً موتى وأحياء فقط لخدمة الباب العالي، وعليهم أن يبوحوا بما يريد وهم يلفظون انفاسهم الأخيرة.
تعتذر قناة "الإخبارية" القاتلة عن لقاء أجراه مراسلها مع والد الأطفال السبعة الضحايا الذين ماتوا حرقاً في منزلهم بدمشق القديمة (المناخلية)، لأن اللقاء لم يراع مشاعر الأب المكلوم، وأدى إلى استفزاز مشاعر السوريين جميعاً، واعتبروه إيغالاً في آلام أب مفجوع على أبنائه من إعلامي يبحث عن سبق صحفي.
الفارق البسيط -عن بقية قنوات العار- الذي قدمته الإخبارية هي أنها اعتذرت اعتذاراً منقوصاً عما فعله صحفيها فيما صمتت بقية القنوات الأخرى بل تبجحت بجرائمها الإعلامية، ولكنها تعمل بنفس القيم المنقوصة أخلاقياً ومهنياً، وأغلب الكوادر التي تعمل بهذه القنوات ليست سوى جحافل متغولة وحاقدة، وترى في السوريين مادة دسمة لمديح بابها العالي وممولها.
منذ الأيام الأولى بدأت معزوفة الكذب والافتراء على السوريين، وكانت مذيعة المطر باكورة التضليل الوسخة، حيث تصبح المظاهرة صلاة استسقاء، وصولاً إلى لقاء مع امرأة تنازع الموت في (داريا) حي تطلب منها المذيعة أن تجيبها على سؤال عن الإرهابيين الذين قتلوها، ومن ثم تنتقل للحديث مع طفلتها التي تبكي أمها التي تموت.
ليس مفاجئاً أن يسأل مذيع الإخبارية أباً مفجوعاً عن شعوره بموت عائلته، وليس مفاجئاً أيضاً أن تصل الوقاحة بأن توقف القناة مراسلها شهراً واحداً، وتعتذر عن مجرد خطأ مهني فمن هم في سدة هذا الإعلام أكثر وحشية وغباء، وهم وصلوا إلى كراسيهم لأنهم ساهموا في بناء منظومة التوحش على شكل مؤسسات وطنية.
في نفس الوقت ينبري الكثير -ممن كانوا بالأمس يضعون صور أسطوانات الغاز على صفحاتهم- للدفاع عن (الصحفي) النكرة ويعتبرون ما حصل مجرد خطأ يحدث، ومدير أخبار قناة "سما" يكتب على صفحته على الفيسبوك (من منكم بلاخطيئة فليرمي صفوان بحجر)، ويرى آخرون أن العقوبة مجحفة بحق المذكور، وكان من الممكن الاكتفاء بتوجيه ملاحظة أو تنبه له، وهذا يؤكد أن المنظومة غير الأخلاقية ليست استثناء في هذه المؤسسات الإعلامية إنما هي منهج عمل..وتوصيات عليا.
لا تعتذروا من هذا الشعب المكلوم، وما حصل في سنوات الدم لا يمكن أن يمر باعتذار من وزير وعضو مجلس شعب ومحلل سياسي ومن إدارة قناة باغية، وحتى طوابير الغاز والخبز باتت تتذمر وتلعنكم في أعماقها، وإن أبدت امتعاض الخائف فقط.
يموت السوري الآن بطريقة جديدة، ومع كل تطور في مأساته المستمرة يبدع حاكموه في أدوات القتل..يموت بالإهمال والبرد والجوع والمرض، ويقتسم معه من هم دون حيلة الموت قهراً وحزناً...ويأتي من يقول لهم اليوم: لا تآخذونا نقتلكم ونعتذر.
*عبد الرزاق دياب - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية