أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عسكر ولصوص وطغاة أم.. كف عدس*

غوطة دمشق - أرشيف

في الآونة الأخيرة يمكن أن يكون السؤال الأكثر رواجاً لماذا وصلنا إلى ما وصلنا إليه، ويبدو فيما لو دققنا في كل هزائمنا وانكساراتنا سنجد أن هذا السؤال يتكرر دائماً دون إجابة منطقية وحقيقية، وغالباً ما نجد الأعذار والمبررات لهذه الهزائم، وهذا ينطبق على شؤوننا الشخصية وقضايانا التافهة.

في حروبنا القليلة مع إسرائيل، ومع كل صفعة وقطعة أرض تحتل، وتدفق لمئات الآلاف من اللاجئين والنازحين كنا نقنع أنفسنا أن أسباب الهزيمة ليست فينا، وإنما بالعالم المتآمر والجسر الجوي الغربي والأمريكي، ونحن الذين وصلنا إلى بحيرة "طبريا" وتجاوزنا خط بارليف، وبعض عساكرنا شربوا من البحيرة، ولكن حققنا هدفاً معنوياً انتصرنا على أنفسنا، وهزمنا خوفنا.

رددنا أناشيد النصر من أول يوم في المدرسة إلى آخر صفحة في كتاب الجامعة، ومن ثم ندور حول حلبة الجري في لباس الجيش لعقود مع نفس النشيد وأغنيات الحماسة الفارغة، وفي ذروة هذا الانتشاء الوطني اكتشفنا ببساطة أن كل ما تعلمناه كان حيلة وكذبة كبرى، وما حصل ببساطة هومجرد هزيمة أرادها لنا أولئك المتربعون على كراسي السلطة، وفقط ليبقوا جائمين فوقها إلى الأبد.

في أقل من ذلك شأنأ، يولد العربي على صورة القائد تتصدر جدران المنزل والوظيفة ومحلات بيع الألبسة وأعمدة الكهرباء، ويموت العربي وهو يحلم بوجه جديد، وصورة أخرى، ولكن هذي الملايين التي تتوالد غير قادرة على إنجاب رجل بمواصفات القائد، وبسالته، وميزاته الخارقة، وفجأة تتهاوى كل سنوات الخديعة، فمن كان يحكمنا حتى في غرف النوم لم يكن أكثر من دمية وفزاعة حقل.

كذلك الوزير والمدير ورئيس البلدية وحتى المختار كلهم يحملون نفس جينات الإبداع والذكاء، والحكمة، وأما نحن العاجزون من دونهم فلا سبيل لنا لننجو إلى أن نتلو صلوات الحمد والشكر عما أمدنا الله به من رجال، ومع ذلك نصل متأخرين إلى القناعة ذاتها، انهم كانوا مجرد لصوص وخدم للص أكبر يجثم على صدورنا عل ى هيئة بطل.

لطالما سمعتها كأمنية ومن بعض النخب الفكرية والاجتماعية لو أن هذه الحكومة ووزرائها، وهذا المسؤول ومعاونون يسرقون نصف خيراتنا وثروات البلد ويتركون لنا نصفها الآخر لما كانت حالنا هكذا، ولكنهم يسرقون كل شيء.

وهكذا كنت تجد في صحفنا ونقاشاتنا وحواراتنا الهامسة من يبحث عن مبررات الهزيمة والخسارة وتقديس الطغاة، وفي النهاية يلقون في وجهك السؤال الكبير: ما هو البديل؟..وهنا كان عليك أن تتلقى بعدها سيلاً من خيارات المستقبل الموحشة..الخراب هو من سيحكمنا بعدهم، والبلاد ستدخل في نفق مظلم، الاقتتال الطائفي والطبقي والسياسي.

بالنهاية كنا محكومين بالكذب والخداع وثلة من اللصوص والعسكر والطغاة، وبالرغم من معرفتنا بهذه المسلمة البسيطة كنا نبحث عن مبررات صمتنا وبقائهم فوق أعناقنا وظهورنا...ألسنا نحن من كنا نردد حين لا نريد قول الحقيقة المثل المخلص (من يدري يدري ومن لا يدري يقول كف عدس).

*عبد الرزاق دياب - من كتاب "زمان الوصل"
(186)    هل أعجبتك المقالة (204)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي