متى يثمل أبو إيفانكا؟.. حسين الزعبي*

ترامب - جيتي

أقامت تغريدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي هدد فيها بـ"تدمير تركيا اقتصاديا"، أقامت الدنيا ولم تقعدها، قبل أن ‏يعود البيت الأبيض ويخفف من حالة الارتباك التي خلفتها، بتغريدة أخرى أعقبت اتصالا أجراه رجب طيب أردوغان مع ‏ترامب.‏

تحليلات كثيرة حاولت الوصول إلى فهم حقيقي لما قصده ترامب من التغريدة، منهم من وضعها في سياق الصراعات ‏الأمريكية الداخلية، وآخرون رأوا فيها ذرا للرماد في عيون حزب العمال الكردستاني "بي كا كا"، وقراءات اعتبرتها ‏محاولة للضغط على أنقرة لإبعادها عن روسيا وإنهاء صفقة صواريخ "اس 400"، بل ذهب البعض إلى و ضعها في ‏سياق المزاج الشخصي لترامب.‏

كل ما سبق لا يخرج عن نطاق الاجتهاد في تفسير ما أقدم عليه ترامب، اجتهاد قد يصيب وقد يخطئ، إلا أن حقيقتين ‏اثنتين تجلتا بوضوح خلال اليومين الماضيين، الأولى أن تغريدة من ترامب تخلط الأوراق وترفع العملات وتخفضها ‏وربما تغير المشاريع والتحالفات، أما الحقيقة الثانية، هي أن تركيا، المراد دفعها باتجاه فخ الشمال السوري كما يرى ‏البعض، أتقنت التعامل مع ما يبدو أنه شكل من أشكال الجنون السياسي، باحترافية عالية إذ تمكنت، حتى اللحظة، من ‏تحويل "التغريدة" وما يترتب عليها لصالحها عبر التقاط فكرة إقامة المنطقة العازلة، وهو مطلب تركي قديم إن تحقق قد ‏يوفر عليها تكلفة تنفيذ عملية عسكرية في الشمال السوري لن يخلو الإقدام عليها من أثمان. ‏

في هذه المساحة لسنا بوارد تدبيج المدائح للسياسة التركية، بقدر ما هو وصف لحقائق قائمة، تزداد وضوحا كلما نظرنا ‏في الواقع العربي ومدى البؤس والخراب الذي ينخر بناه السياسية والاقتصادية والمجتمعية بل والأخلاقية أيضا.‏

بالأمس الأول وبينما كان العالم ينتظر كيف سترد تركيا على تهديدات ترامب، كانت شوارع بغداد تتزين بالعلم الفلسطيني ‏ترحيبا بزيارة العاهل الأردني فالمسؤولون في بغداد تشابهت عليهم الأعلام قبل أن يستدركوا ويعمدوا لاستبدال العلم ‏الفلسطيني بالأردني.‏

‏ تبدو هذه السقطة سخيفة أمام ما هو أدهى وأمرّ في دول أخرى من سرقات وإجرام وتحالفات شيطانية لا نتاج لها إلا ‏خراب ما عاد يرضي حتى الخصم، فإذا عم الخراب كل شيء لن يجد اللصوص ما يسرقون، ولن يجدوا أسواقا لمنتجات ‏معاملهم..‏

ترامب الذي قال مؤخرا لأردوغان "سوريا لك"، حقيقة لا أعلم ما الذي يمنعه من أن ينهي صداع رأسه ويكتفي بتغريدة، ‏تغريدة فقط لاغير، يقسم فيها المشرق العربي لثلاث حصص واحدة لإيران وأخرى لتركيا وثالثة لإسرائيل على أن تصله ‏حصته "خرج ناشف"، أليس هذا أكثر جدوى من التعامل مع أشباه دول وأشباه رؤساء جعلوا منا أشباه شعوب؟‏
ربما علينا أن ننتظر أن يثمل "أبو إيفانكا"..!‏

*من كتاب "زمان الوصل"
(198)    هل أعجبتك المقالة (188)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي