أقامت تغريدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي هدد فيها بـ"تدمير تركيا اقتصاديا"، أقامت الدنيا ولم تقعدها، قبل أن يعود البيت الأبيض ويخفف من حالة الارتباك التي خلفتها، بتغريدة أخرى أعقبت اتصالا أجراه رجب طيب أردوغان مع ترامب.
تحليلات كثيرة حاولت الوصول إلى فهم حقيقي لما قصده ترامب من التغريدة، منهم من وضعها في سياق الصراعات الأمريكية الداخلية، وآخرون رأوا فيها ذرا للرماد في عيون حزب العمال الكردستاني "بي كا كا"، وقراءات اعتبرتها محاولة للضغط على أنقرة لإبعادها عن روسيا وإنهاء صفقة صواريخ "اس 400"، بل ذهب البعض إلى و ضعها في سياق المزاج الشخصي لترامب.
كل ما سبق لا يخرج عن نطاق الاجتهاد في تفسير ما أقدم عليه ترامب، اجتهاد قد يصيب وقد يخطئ، إلا أن حقيقتين اثنتين تجلتا بوضوح خلال اليومين الماضيين، الأولى أن تغريدة من ترامب تخلط الأوراق وترفع العملات وتخفضها وربما تغير المشاريع والتحالفات، أما الحقيقة الثانية، هي أن تركيا، المراد دفعها باتجاه فخ الشمال السوري كما يرى البعض، أتقنت التعامل مع ما يبدو أنه شكل من أشكال الجنون السياسي، باحترافية عالية إذ تمكنت، حتى اللحظة، من تحويل "التغريدة" وما يترتب عليها لصالحها عبر التقاط فكرة إقامة المنطقة العازلة، وهو مطلب تركي قديم إن تحقق قد يوفر عليها تكلفة تنفيذ عملية عسكرية في الشمال السوري لن يخلو الإقدام عليها من أثمان.
في هذه المساحة لسنا بوارد تدبيج المدائح للسياسة التركية، بقدر ما هو وصف لحقائق قائمة، تزداد وضوحا كلما نظرنا في الواقع العربي ومدى البؤس والخراب الذي ينخر بناه السياسية والاقتصادية والمجتمعية بل والأخلاقية أيضا.
بالأمس الأول وبينما كان العالم ينتظر كيف سترد تركيا على تهديدات ترامب، كانت شوارع بغداد تتزين بالعلم الفلسطيني ترحيبا بزيارة العاهل الأردني فالمسؤولون في بغداد تشابهت عليهم الأعلام قبل أن يستدركوا ويعمدوا لاستبدال العلم الفلسطيني بالأردني.
تبدو هذه السقطة سخيفة أمام ما هو أدهى وأمرّ في دول أخرى من سرقات وإجرام وتحالفات شيطانية لا نتاج لها إلا خراب ما عاد يرضي حتى الخصم، فإذا عم الخراب كل شيء لن يجد اللصوص ما يسرقون، ولن يجدوا أسواقا لمنتجات معاملهم..
ترامب الذي قال مؤخرا لأردوغان "سوريا لك"، حقيقة لا أعلم ما الذي يمنعه من أن ينهي صداع رأسه ويكتفي بتغريدة، تغريدة فقط لاغير، يقسم فيها المشرق العربي لثلاث حصص واحدة لإيران وأخرى لتركيا وثالثة لإسرائيل على أن تصله حصته "خرج ناشف"، أليس هذا أكثر جدوى من التعامل مع أشباه دول وأشباه رؤساء جعلوا منا أشباه شعوب؟
ربما علينا أن ننتظر أن يثمل "أبو إيفانكا"..!
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية