أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حين يصبح الإرهاب حاجة ضرورية... فؤاد حميرة*

أرشيف

نشاط مكثف تشهده المنطقة في الأيام والساعات الأخيرة، بدءا بزيارة وزير الخارجية الأميركي للمنطقة، مرورا بتحركات الإيرانيين في العراق ولقاءات عربية –عربية على مستوى القادة، مظاهرات في السودان، حشود عسكرية تركية على خط "منبج"، وتهديد أميركي بتدمير تركيا اقتصاديا، استمرار الغارات الإسرائيلية على محيط العاصمة دمشق، إنها صورة قاتمة للقادم من الأيام وحجة كل تلك التحركات هي تغطية الفراغ الذي سيتركه الانسحاب الأميركي من شمال سوريا، أي عاقل سيصدق ذلك؟ كيف يمكن إقناعنا بأن انسحاب ألفي جندي أميركي يتطلب كل هذا الحراك والنشاط السياسي والعسكري ، رغم وجود نحو مائتي ألف جندي أميركي آخرين في المنطقة؟ 

حقيقة هذه التحركات ليس الفراغ الذي سيتسبب به الانسحاب الأميركي، وإنما الفراغ الذي سينشأ بعد الإعلان عن القضاء على "داعش" وانتهاء العمل بفزاعة شعوب المنطقة المسماة بـ(الإرهاب) فاختفاء "داعش" بعد أن أنجزت مهمتها سيكشف من جديد كل تلك الأمراض التي تعاني منها حكومات المنطقة، تماما كما حدث في سوريا ذلك أن هدنة قصيرة الأمد وتوقف للمعارك كشف عن تقاعس هائل وفساد كبير في أجهزة الدولة وعرّى الاقتصاد المذبوح من الوريد إلى الوريد، ولن يكون الاقتصاد المرض الوحيد المزمن في جسد المنطقة، بل هو الأوجع والأكثر ألما، فهناك أمراض ثقافية واجتماعية لا تقل صعوبة عن الجانب الاقتصادي والتي نتجت عن سوء الاقتصاد أصلا.

الغرض من كل تلك التحركات هو البحث عن ذريعة جديدة تغطي بها ديكتاتوريات المنطقة عوراتها بدءا بالاستبداد والقمع وليس انتهاء بالجوع وانهيار الدولة على كافة الصعد وبذلك نكتشف أن الإرهاب كان وما يزال حاجة ضرورية لحكومات المنطقة قاطبة، فالدول العربية لم تكن منكوبة بالإرهاب وإنما بأنظمتها المستبدة والعميلة والعاجزة حتى عن توفير أبسط مستلزمات العيش لشعوبها، هذه التحركات التي تشهدها المنطقة هدفها واحد وهو البحث في كيفية إبقاء الشعوب تحت وطأة الخوف من فزاعة جديدة، وخلق صورة جديدة يكون أثرها شديد الشبه بالإرهاب فتنسى الشعوب جوعها وفقرها وذلها وتتمسك بالأمان والطمأنينة، أي تتمسك بالأنظمة التي تصدر نفسها كحامية لشعوبها من الأخطار المحدقة في حين أن هذه الأنظمة ذاتها هي التي تخلق البعبع وهي التي تصنعه وتصدره في وجه تطلعات الشعوب العربية إلى النهضة والتحرر. 

الحكومات الفاسدة هي حكومات جاهلة بالأساس وحكومات عميلة بالأساس وحكومات عاجزة عن تقديم وصفات ناجعة لأمراض دولها فتلجأ إلى التلاعب بنزوع الناس إلى العيش بأمان، ويظن أحد أن التحركات السياسية –العسكرية التي تشهدها المنطقة هدفها حماية شعوب المنطقة، بل على العكس من ذلك تماما، الهدف واضح وهو إبقاء هذه الشعوب تحت وطأة الحاجة للأنظمة والتغاضي عن كل استبدادها ونهبها وفسادها في مقابل العيش بأمان.

إن القضاء على مائة ألف مقاتل لا يتجاوز تسليح معظمهم البنادق الرشاشة لا يتطلب تحالفا دوليا ولا يحتاج إلى كل هذه اللقاءات والمشاورات ولا لكل صفقات الأسلحة تلك، إنه يحتاج فقط لرغبة حقيقية من الزعامات العربية في إنجاز نهوض اقتصادي فقط والاقتصاد وحد سيتكفل بباقي المشكلات من ثقافة وفكر وفن وسياسة ومجتمع ...إلخ.

إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب القضاء على "داعش" سيكشف عورة الجميع إن لم يسارعوا لإيجاد ورقة توت جديدة تسترهم أمام شعوبهم وإلا فإن هذه الشعوب ستعود لإثارة المشاكل والإزعاجات لزعماء ينظرون للوطن على أنه دكانة يديرونها بعقلية البقال المنفلت من أي رادع أخلاقي، كما أن الإعلان عن سحب ألفي جندي أميركي قد يوحي بأن الأمريكين سوف يتركون المنطقة في حين أنهم يحتفظون بمئات الآلف من الجنود في المنطقة، إضافة إلى حاملات الطائرات التي تجوب المياه الإقليمية والفرقاطات وناقلات الجنود. 

لا الأمريكان سينسحبون حقا ولا الأنظمة العربية ستقضي على "داعش" وأشباهها من المنظمات التي يجري الإعداد لتأسيسها وإطلاقها من صندوق الغيب.

*من كتاب "زمان الوصل"
(228)    هل أعجبتك المقالة (203)

احمد عبدالكريم

2019-01-15

هذا واقع المنطقة الحقيقي ...


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي