الحقيقة أنني لا أعرف السيد عبيد عن قرب، ولم أره في كثير من الأعمال الفنية. غير أنني سمعت به وتعرفت عليه، بعد الضجة التي أحدثها قراره بمنع فنانات "الواوا" من الغناء بسورية المجد والتاريخ.
ولعمري فهذا قرار يعكس أصالة الفن والمجتمع السوري وينور وجه صاحبه في ظلمة هذا الليل الحالك الذي تمر فيه أمتنا على الأصعدة كلها.
كنا نحتاج إلى رجل كصباح عبيد منذ وقت طويل، وإن عزائنا في تأخره أنه قد وصل والحمد لله، بل إنني أرجو من القيادة السورية تأييده والوقوف خلفه ليتمكن مع أسرة عمله من منع غانيات "البح" و"الوحدة ونص" كلهن من الغناء على أرض سورية. متمنين في الوقت نفسه أن تقوم نقابات الفنانين في الدول العربية كلها بخطوات مماثلة. كما نأمل من هذه المؤسسات منع مغنيات العري من الظهور على الشاشات الصغيرة بشكل كامل حفاظاً على ما تبقى لنا من حياء وأخلاق وثقافة.
لقد زادت الجرائم الثقافية عن حدّها، في ظل العولمة التي بشر بها صناع الموت وإرهابيي الإدارة الأمريكية، وأصبح نشر هذه الجرائم، مطلباً سياسياً أمريكياً على وجه لم يسبقه نظير، متذرعين بذلك بأكذوبة حرية الرأي والتعبير، وحقوق الرّضّع بمتابعة المشاهد الإباحية الفاضحة وهذا بالضبط ما تريد الإدارة الأمريكية تمريره. وليس علينا إلا أن ندخل إلى أي موقع فيديو في المسياح، حتى ترى الجنود الأمريكين وهم يتزودون في بلادهم بالمجلات الفاضحة ليوزعوها فيما بعد على شباب العراق. ووصلت الأمور إلى انتقاد الدول العربية لأنها تحارب السحاق والسيدوميين، و أكثر من ذلك، فقد طل علينا مسؤول سياسي غربي مؤخراً، ليقول: حتى اغتصاب الأطفال لا مشكلة فيه لأن صاحبه ولد هكذا يميل إلى الأطفال.
ومع سعادتنا بقرار السيد صباح عبيد بمحاربة أهل "الواوا"، إلا أننا لا نزال حزانى مكسوري الخاطر لعدم تفعيل التشريعات الواضحة في سورية وفي البلاد العربية ، تلك التشريعات التي تجرم خدش الحياء العام والحضّ على الفجور. كما نأمل من حكوماتنا أن تصدر تشريعات جديدة لإدانة الجرائم الثقافية وملاحقة أصحابها قضائياً أمام محاكم مختصة وإن كنا نميل أن تكون تلك المحاكم جنائية، فلا شك أن أصحاب الجرائم الثقافية جناة يستحقون الملاحقة والمطاردة في كل محفل.
وإنني لا أفهم حتى اليوم، لماذا يحاسب اللص الذي سرق المال على جريمته ولا يحاسب أولئك الذين يريدون سرقة ثقافتنا وتدميرها. ولا أعرف لماذا يحاسب الزاني ولا يحاسب من يدعو إلى الزنا، ويحاسب المعتدي على أمن البلد، ولا يحاسب المعتدي على تاريخ الأمة وحضارتها.
ونحن لا نفهم أيضاً، السرّ في أن تقوم مغنية أو غانية، بإلقاء كلمات مبتذلة على الجمهور بلحن مبتذل وحركات مبتذلة، لا نفهم بالضبط رسالتها ولا نعرف ماذا تريد أن توصل لنا. الحقيقة أن هذا السؤال محير جداً، فكل من يقوم بعمل، أي عمل من حرث الأرض إلى الغناء، يقصد بذلك شيئاً، أي لديه رسالة يريد أن يوصلها، فالمزارع يريد أن يأكل القمح ويطعم أبنائه، وهكذا فهمنا رسالته، وأما الذي يظهر على شاشاتنا فناناً كفنانات "حطلب إيديك"، و" رجب حوش صاحبك عني" ما هي رسالته بالضبط ماذا يريد على وجه التحديد.
ربما يريد الشهرة، أو المال، أو تنفيذ فكرة ما هو نفسه مدفوع إليها، وإن كان يريد المال أ فليس من طريقة أمثل من التعري للحصول عليه، أ لم يسمع قول أجداده، أن الحرة تجوع ولا تأكل بنهديها. أما إن كان مدفوعاً لإرسال رسالة غيره فهذه هي المصيبة، وإما إن كان شيئاً ثالثاً، فلماذا لا يخبر الناس به حتى تهدأ النفوس.
هل من المعقول أن أصبحت شروط الفنان، لا صوت ولا كلمة ولا لحن، وأن يكون في الوقت نفسه ناعماً عارياً، وإلا لن يكون فناناً؟ هل صحيح أننا في زمن المخنثين، فلا مجال لصوت أو كلمة أو لحن ما دام صاحبه واقفاً وله رسالته؟ هل يمكن أن يكون الفن بلا رسالة أبداً؟
ألا يجب أن يستخدم الفن لنشر الروابط والتحابب بين الشعوب؟ ودعم التربية والأسرة والقضاء على العادات البالية وتدعيم النافع منها؟ إذا كان ذلك صحيحاً، فليخبرنا أحد من أهل التعري، ما معنى " فن الواوا" وفي أي خانة نضعه على وجه الدقة، وكيف نتعامل معه بالضبط. ألا يتعارض هذا النوع من الفن الرخيص بما تقوم به الأسرة في تربية أولادها ويدمر جهود الآباء في الحفاظ على قيم وأخلاق أبنائهم؟
أغرب من فنانات عصر الانحطاط، هو تلك الهجمة التي قادها بعض" المساكين" على قرار السيد عبيد آنف الذكر. ولا نعرف لماذا اندفعوا ليضعوا نحورهم دون نحر "هيفا" و"إليسا". هل خافوا مثلاً على ضياع الفن الأصيل؟. أم خافوا أن تتوقف المذكورتان عن الغناء فنخسر الحرب القادمة مع العدو الأمريكي؟. أولا يرون أخبار الشباب ، وازدياد الجرائم الأخلاقية، خاصة جريمة الاغتصاب؟ أولا يرون ازدياد عدد المخنثين في عالمنا العربي؟. نريد أن نعلم منهم إذا كان منع فن التعري من الدخول إلى البلاد العربية يساهم في رفع أم في انخفاض الجرائم الأخلاقية ؟ وإذا وجهنا سؤالاً لطفل صغير، فقلنا له أين تضع أغنيات" الواوا" و" بح" في خانة المليح أم في خانة القبيح، فماذا سيقول؟؟.
بعض المعلقين، اندهش من قرار السيد عبيد، بمنع فنانات التعري من الغناء بسورية، وكان اعتراضه، أن الناس يستطيعون أن يشاهدوا" الواوا" في كل مكان، فنحن في عصر "السماوات المفتوحة". والحقيقة أننا اندهشنا من هذا التعليق أكثر من اندهاشنا من الدفاع عن "الواوا وأمها". أ فإذا كانت السماوات مفتوحة والمسياح في كل بيت، أ فنسمح مثلاً بمشاهدة الأفلام الإباحية وتمثيلها على أرض الشام!!، وطالما أن الناس يرون الفضائيات كلها دون تعب فلماذا لا نسمح لتلفزيون العدو مثلاً بالبث من فوق قاسيون؟؟!.
بعضهم الآخر، أي المعلقين، قال: نحن ضد قرار المنع لأنه سياسي، بمعنى أن القيادة أمرت عبيد بإيقاف "الواوا" من الغناء في سورية ليس منعاً للتلوث الأخلاقي، بل تضييقاً على الفنانات اللاتي اتسمن بموقف سياسي معين ضد دمشق. سنفترض هذا صحيحاً، أ فإذا قالت الحكومة "لا إله إلا الله" قلنا أخطأت لأن الحكومة هي من قال!!. أي تقزيم للمسألة هذا، نحن نشجع الحكومة إذا قامت بالتصرف الصحيح. ومنعها لمن منعت من الغناء على أرض سورية موقف صحيح، لا نشك بهذا، سنصفق له وسنصفق للشخص الذي أمر به ونحن بهذا القرار مبتهجون. وليت قرارات أشد تصدر بحق كل من يعتدي على ثقافة هذه الأمة ومجدها، وبحق كل من يسيء إلى أخلاق الناس ودينهم ولغتهم وانتمائهم.
ليتكم أيها المنتقدون تقولون لنا ماذا تريدون بالضبط، فإذا كنتم تسعون إلى تقدمنا وتحررنا أ فتخلفنا هذا ناجم عن رفض " الواوا"؟. إذا كانت المشكلة هنا فالحل سهل، كل ما يلزمنا أن نشاهد كل أنواع "الواوا" وإذ بنا في القمة وانتهت المسألة!!.
منذ فترة قصيرة نسبياً، سمعنا أن الحكومة السورية تصر على نشر ثقافة المقاومة، وهذا لا شك ما نصبو إليه ونحلم به، نحن نحتاج لصقل وعي الشباب، وتبصيرهم بالخطر الإرهابي الأمريكي – الصهيوني. ونحن نحتاج أن يتسلح شبابنا بالعلم والتقنية والإيمان وحب الأرض والتغزل بها، نريد أن يعرف ولدنا أهمية كل ياسمينة في دمشق، وحلاوة كل تفاحة في الساحل، وقيمة كل حبة قمح في الجزيرة وحوران. نريده أن يتعلم الغيرة ليغار على الحصى والتراب في القرى، ليخاف على شيبة كل كبير في بلده أن تهان. ويحنو على كل صغير، ألا يصير إلى ما صار إليه أطفال العراق وفلسطين ولبنان. نريده أن يخاف على كل امرأة أن يهتك عرضها وتسحق كرامتها. فأين" الواوا" من ذلك؟. نحن بحاجة لأشداء مع قلب كبير ووعي ناضج، وليس لجسد كبير مع قلب لا يحب إلا "سوق الواوا وبح خلاص"، عجباً لمن يريدنا أن نتقدم بالتعري، وأن نفاخر بالتخلي عن كل ما هو أصيل!!.
اليوم هجر الناس التاريخ وأصبحوا دون مرجع، هجروا الوطن وعبدوا شذوذ الغرب، هجروا القراءة وأصبحوا كتاباً. هجروا العقل والقلب واتبعوا الجسد. هجروا الأصيل، وأصبحوا جنوداً في خدمة" الواوا" ويالها من معركة أيها الجنود!!.
صباح عبيد....تستحق التصفيق ومثلك من نريد

د. عوض السليمان – فرنسا - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية