يحاول المتابع أن يصدّق الكذبة الكبيرة التي تقول بتعاون دولي لمحاربة الإرهاب في سورية، ولكنه يفشل لمجرد إلقاء نظرة متأنية على بدايات الأحداث وصولا إلى ما هي عليه الأحوال اليوم، إذ يكتشف أن التحالف الدولي وكل الأطراف الأخرى التي ادعت محاربة الإرهاب وقفت إلى جانبه ودعمته ومنحته فرصة التوسع والتمدد.
نفس المتابع سيرى بوضوح أن الجهة الوحيدة في المنطقة التي حاربت الإرهاب هي الجيش الحر الذي بدأ ثورة على الأسد وتحوّل لقتال داعش، وتمكّن منفردا من طردها مع عشرات المواقع رغم كل الدعم الدولي للتنظيم الإرهابي، وقد دفع ثمن ذلك غاليا حيث خسر كثيرا من قوته، وأوقفت الدولة الأكبر في العالم دعمها له، فأرغمته على الاندماج بفصائل إسلامية، خدمة لفكرتها العامة التي تقضي بتجويل الصراع في سورية إلى حرب ضد الإرهاب وحسب، وهذا ليس سوى حالة إعلامية لا أكثر ولا أقل بانتظار اكتمال فصول المسرحية وكيفية توزيع العائدات.
تحالف دولي ضم أعتى دول العالم، زرع عشرات القواعد العسكرية مع أحدث أنواع القاذفات والصواريخ المدمرة على الأرض السورية لم يستطع القضاء على تنظيم إرهابي صغير، والسبب واضح لأنه لم يأت من أجل ذلك بل لغايات أخرى، التحالف ذاته بالاشتراك مع أنظمة الإرهاب في العراق وسورية أشرف على تشكيل التنظيم وفتح له جغرافيا العراق للتمدد عليها بكل أريحية بعدما أخلى نوري المالكي المدن والبنوك والمقرات العسكرية وترك له السلاح.
المعلومات الكثيرة التي ترددت عن الطرق التي عبّدت لتوسع التنظيم، تثبتها وقائع كثيرة وشهود عيان عاصروا مرحلة التقدّم، تؤكد الرعاية الدولية للتنظيم، ليغدو الذريعة الاعتيادية لبسط المزيد من السيطرة والنفوذ وتحقيق مآرب اقتصادية وسياسية.
ضباط من مخابرات الدول الكبيرة وعناصر أرسلت من الغرب للانضمام للتنظيم لضبط إيقاع حركاته وتوجهاته، وكلما انتهى دور أحدهم كانت الطائرات المروحية تحمله من مقره أمام أنظار زملائه الإرهابيين، لكن ذلك لا يعني أن دور التنظيم في طريقه للنهاية بل سيكون حصان طروادة إلى دولة أخرى وتمدد جديد، فالنظام السوري وروسيا عملا على حمايته ورعايته ونقلت عناصره تحت أنظار كل العالم من محيط دمشق وحوض اليرموك وبادية السويداء بالباصات المكيفة إلى دير الزور حيث تتواجد مقراته المعروفة للجميع اليوم.
وعلى طرف مواز، كانت الدول الغربية تدعم جهة النصرة المصنفة على لائحة الإرهاب لتكون البديل لتنظيم البغدادي في إدلب، وهي التي أوعزت لقادة الفصائل العسكرية بتقاسم السلاح والذخيرة التي كانت تقدمها لها مع النصرة، بدعوى تجنب التعرّض لها من الفصيل الإرهابي.
هيئة تحرير الشام، لا شك أنها تحظى برعاية إقليمية (عدا عن الغربية)، ولولا ذلك ما تضاعفت قوتها مرات عديدة، ولا تمكنت من استئصال غالبية الفصائل المصنفة بخانة الاعتدال، وهي تساهم بدورها في إخلاء الساحة لها تماما لاستئصال ثورة السوريين وتغييب المعتدلين فيها، ليغدو المشهد المنشود، إرهاب في المحرر يكون هدفا لمدّعيّ محاربة الإرهاب، وتلميعٌ لصورة النظام السوري من الطرف المقابل.
تمهيد دولي وإقليمي لفتح المغلق من الطرقات الدولية على الأرض والمغلق السياسي منها بوجه عودة الأسد لما قبل الثورة، ستقوم النصرة قسرا أو راضية بتنفيذ كل المتفق عليه بين الكبار، وسترضخ لرغباتهم، وتنتهز الفرصة لتبييض صفحتها باتخاذها خطوات أخرى باتجاه العمل المدني، وإعادة تلوين جزئها العسكري، علّها في ذلك تدفع باتجاه فرض أمر واقع جديد يمهد لشرعنتها من جديد.
تستطيع الدول الكبيرة بسط نفوذها السياسي والعسكري في أي بلد اعتمادا على الديكتاتوريات التي زرعتها فيها، لكنها دائما تلجأ لإيجاد ذرائع تبرر فعلها، وغالبا ما تخلق منظمات إرهابية تدخل لمحاربتها وفي الوقت نفسه تقود تحركاتها وتوجهها حيث الهدف، وفعلت ذلك في العراق وسوريا ولن تقف عند هذا.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية