أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الحقيقة واحدة.. وهذا الثلج أسود*

من مخيمات ريف إدلب - جيتي

أستعير من محمود درويش عنوان قصيدته في وصف حال الفلسطينين وانقسامهم، وهو حالنا اليوم في انقسامنا الأخلاقي والسياسي والإنساني، وفي بلادتنا التي تكبر يوماً بعد آخر، وكأننا أبناء أوطان ولدوا على العداوة والكراهية.

الحقيقة الواحدة هي أننا جميعاً، مؤيدين ومعارضين، ولدنا تحت راية علم واحد، ورددنا في صباحات المدرسة نشيده الوطني، ووقفنا مستعدين أما رايته الممزقة أو الجديدة، وأقسمنا بالعبارات التي كنا نؤمن بها أو لا، ومن ثم افتضحت سنوات الدم السبع ما بنا من أمراض وأضداد، وآثام وأحقاد، وسال الدم بيننا على الضفتين في صراع لم ينته حتى اللحظة.

الحقيقة الواحدة هي أننا نحن الذين نقف على الضفة الأخرى أيضاً لدينا أطماعنا وآمالنا المتصارعة، وان المال سرق احلامنا إلى حيث لا نريد، وأننا ضحية هواة السياسة والطامحين إلى كراسٍ جديدة، والذين لا ولاء لهم إلا لجمع المال والتسلط.

الأيام الأخيرة كانت فاضحة للجميع، أولئك الذين يرون في موت اللاجئين تحت ثلج لبنان عقوبة لخروجهم من بلادهم، وأنهم يعاقبون بآثام الهروب من موت إلى آخر، والبعض يرى أنهم يعيشون نفس الماساة في الداخل لأنهم أيضاً يرتجفون من برد أقل ودون كهرباء ومازوت وغاز، وربما يتساوى الموتان هنا.

في بلدان الاغتراب ستجد حتماً - بالرغم من أمانه المؤقت- من يتعاطف مع موت طفل أو شيخ من البرد في عرسال، وآخر يبتهل، ويشكو عجزه، والبعض يصب لعناته على من جعلهم لاجئين في بلاد لا ترى فيهم سوى متسولين ولصوص، وستجد أيضاً دعوات هنا وهناك لجمع المال واللباس لنجدتهم وإن كانت هكذا مأساة تحتاج إلى إمكانات دول.

سيقول البعض إن سوريين في الداخل يصرفون المال على الملاهي والحفلات الماجنة، وتعج صفحاتهم بدعم منتخب كرة القدم ولم تخرج من أفواههم كلمة تعاطف واحدة في مقابل دعائهم المتواصل لأهل اليمن والعراق بالفرج والخلاص.

سوريون آخرون يرددون همساً وعلناً ان لصوص الثورة من عسكريين وإعلاميين وساسة يصرفون الملايين على استثمارات في اسطنبول ومصر ودول أخرى دون أن يهرعوا ببعض ما سرقوه من حق الشعب لنجدته، وإنما اكتفوا مثل بقية العاجزين بالدعاء والتبتل، ونشر صور الأطفال الذين ازرقت اوصالهم برداً.

العرب والمسلمون المحايدون باتوا ينظرون إلى الماساة السورية على انها مجرد لعبة فيها ضحايا ومنتصرون، ومن يحكمهم فقط مصالحهم ودولهم الصغيرة والفاشلة، وأما من يعيب على النظام نظرة الحياد فهو بالتأكيد مصاب بمس في عقله وقلبه. 

نعم مصابون نحن جميعاً بخلل أخلاقي ووطني وإنساني، وهذا أقسى ما حصل لنا، وكأننا ولدنا في أماكن شتى، ولسنا سوى أعداء بالفطرة، وأن هذا الثلج الأسود في قلوبنا هو الحقيقة الوحيدة التي يجب ان نؤمن بها، وما علينا فعله فقط هو النظر إلى مرآة ذواتنا ثم البصاق على ما بقي منا أو سقط سهواً من إنسانية ندعيّها.

*عبد الرزاق دياب - من كتاب "زمان الوصل"
(186)    هل أعجبتك المقالة (206)

عبدالله العثامنه

2019-01-11

لاجىء: لسع البردُ جلده؛ أحرق الدمعُ وجنتيه..


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي