ثلوج الأشقاء... ماهر شرف الدين*
![](CustomImage/get/700/500/6467cd43a7a306aa9e0ee9d6.jpg)
على جدار موقع "فيسبوك"، تمرُّ صورةٌ بهيجةٌ لعائلة سورية لاجئة في كندا وهي تتصوَّر وسط الثلج، تليها مباشرةً صورةٌ مأساويةٌ نشرها أحد الأصدقاء لمخيّم عرسال للاجئين السوريين في لبنان وهو يغرق تحت العاصفة الثلجية المسمَّاة "نورما".
إنَّ ورود كلمة "ثلج" في المنشورين أوحى لـ"الذكاء الاصطناعي" لموقع التواصل الاجتماعي الشهير أن يعرضهما بالتتالي على اعتبار أنهما يتحدَّثان عن "مناسبة" واحدة. تماماً كما يحدث عندما يقوم الموقع بعرض منشورات وصور، تتحدَّث عن "ثيمة" واحدة، وراء بعضها بعضاً.
كان المشترك بين الصورتين موجوداً: الثلج واللاجئون السوريون. لكنَّ الفارق بينهما كان أكبر بكثير من أن تغطّيه عاصفة ثلجية: حضور القيم الإنسانية في صورة، وغيابها الكامل في صورة ثانية.
بالطبع لا يمكننا أن نلوم "الذكاء الاصطناعي" لأنه لم يلتقط الفرق بين صورة ثلجية وأخرى. لا يمكننا تقريعه على عدم معرفته بكمّ القهر الذي يغطيه الثلج في صورة المخيَّم. بل لا يمكننا حتى أن نشرح له ما هو الفرق بين أن تكون لاجئاً في كندا وأن تكون لاجئاً في لبنان.
في بلدة عرسال الجبلية يعيش أكثر من 36 ألف لاجئ سوري في خيام هشَّة انهارَ معظمها بسبب تساقط الثلج الذي بلغت سماكته متراً.
مترٌ من الثلج أُضيفتْ فوقه أمتارٌ من اللامبالاة التي ليست إلا اسماً باهتاً من أسماء العنصرية.
لا أفهم كيف يمكن لأيّ إنسان -فما بالك بالذين نُسمّيهم "أشقاء"- أن يحوّل بؤس الأطفال في مخيّمات البرد إلى مادة للسجال حول "الخطر الديموغرافي"!! لا أفهم كيف يمكن تحويل مأساة إنسانية بهذا الحجم إلى تفاهة سياسية استعراضية على الشاشات الصفراء.
إنَّ الغياب المفزع لكلّ القيم الإنسانية في البلاد العربية عموماً، والمجاورة لسوريا خصوصاً، يجعل الثلج يصل إلينا -نحن الآمنين خارج المخيّمات- ليطمرنا ويملأ قلوبنا صقيعاً.
فما جعل الثلج الكنديّ دافئاً وجديراً بالصور السعيدة، وما جعل الثلج اللبنانيّ بارداً وقاتلاً للأطفال هو حضور القيم الإنسانية وغيابها.
الثلج في صورة اللاجئين السوريين في كندا هو الثلج ذاته في صورة اللاجئين السوريين في لبنان. ما اختلف هو الإنسان، والإنسان فقط.
*معارض سوري - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية