تكشف "زمان الوصل" عن طريقة معقدة كان يستخدمها النظام وأجهزته الأمنية لمعرفة تفاصيل حياة المواطنين السوريين، وخاصة منهم اللذين يتقدمون لوظائف حكومية، أو يعملون ضمن مؤسسات أو هيئات ذات طبيعة خاصّة.
وتظهر وثائق تم الحصول عليها من مصادر خاصّة أن استخبارات النظام تعرف عن الشخص ما لا يعرفه هو عن نفسه، ليس عن ديانته أو مذهبه أو جنسه أو عدد أفراد أسرته، بل عن أصدقائه، وميولهم، وأرقام هواتفه الجديدة والقديمة التي نسيها، وعن المكالمات التي أجراها، ومضمون تلك المكالمات، ونوع وثمن المسكن الذي يقطنه، ورواتبه وتعويضاته، والأماكن التي انتقل إليها، والأشخاص اللذين التقاهم خارج البلاد، وما فعله في حياته في سوريا وخارجها.

وتكشف أضابير لأشخاص كانوا موظفين في هيئة "مهمة" وتعود لمنتصف عام 2012، أن أجهزة الاستخبارات تتابعهم وتحصي عليهم أنفاسهم.
تتضمن الإضبارة الواحدة المكونة من 7 صفحات عدة خانات، تبدأ بالهوية الشخصية، ثم الطباع والأوضاع الشخصية، والوضع الصحي، والسكن الحالي، والعمل، والمستوى التعليمي والمؤهلات، والأحزاب والتنظيمات التي ينتمي إليها الموظف، إضافة إلى خانات عن أماكن السفر، والاتصالات والهواتف التي حازها، والاتصالات التي يتلقاها من الخارج، ونشاطه على الانترنت، ووضعه القانوني، والتحويلات المالية الخاصة به، وعلاقاته وأصدقائه ومعارفه، والمشبوهين من عائلته وأقاربه، وصولاً إلى موجز عن حياة كل شخص.

وتقدم إضبارة تعود لموظفة عملت 3 أشهر فقط، إلى مستوى عالٍ من التدقيق يصل إلى حدّ انتهاك خصوصيات حياتها، وحياة أسرتها.
إذ تتحدث خانة الهوية الشخصية عن مذهب وديانة الموظفة "مسيحية"، مع تحديد هوية الأب والأم والرقم الوطني وسجل الأحوال الشخصية، والجنسية الأصلية والمكتسبة وتفاصيل أخرى، إلا أن الأمر لا يقف عند هذا الحدّ، حيث يتم التطرق إلى الطباع والأوصاف الشخصية، ومنها الأخلاق، والالتزام الديني، إذ تشير الإضبارة إلى أن الموظفة "تذهب إلى الكنيسة يوم الأحد"، لكنها لا تتعاطى "المسكرات والمخدرات"، ويتضمن هامش الإضبارة في هذه الخانة أسئلة حول ما إذا كان الشخص يعاني عقداً نفسية أو أنه يكذب، أو أنه انطوائي أو اجتماعي، وما إذا كان يحب الثرثرة، وكذلك طموحاته الشخصية وطبيعتها.
وتلتقط إضبارة أخرى معلومات عن شخص تقول إنه يؤدي الفروض (الصلاة)، لكنه كان يشرب الخمر سابقاً غير أنه لا يتردد إلى الحانات.
وتذهب التفاصيل إلى درجة تحديد ثمن المنزل أو قيمة الإيجار إن كان مستأجراً، كما يتم تصنيف موقعه على أنه "منطقة أمنية حسّاسة"أو منطقة تنظيم.
كما تحدد الإضبارة مكان العمل الجديد، لمن تركوا عملهم في الهيئة، وتفاصيل المهمة، وحجم الأجر الشهري، وتنتقل لتبيان الانتماء الحزبي، والميول نحو المعارضة أو التأييد، والجهات الحزبية والشخصيات السياسية التي تميل إليها.

واللافت أن مخابرات النظام لا تكتفي بتدوين الجهات التي سافر إليها الشخص فحسب، بل تذهب إلى تدوين ما إذا كانت لديه نوايا للسفر إلى الخارج، أو أنه يتردد إلى السفارات، وما هي الدولة التي ينوي السفر إليها، إذ يتم تحديد الدول التي سافر إليها الشخص، ومدة السفر، وأغراضه، والأشخاص المرافقين، وتقول إحدى الأضابير التي تم تحليلها بأن صاحبها ينوي السفر إلى دولة عربية تم تحديدها بالاسم.
أما بالنسبة للهواتف والاتصالات فيتم تحديد جميع الأرقام التي تخص الشخص، سواء كانت باسمه، أو أنها مسجلة باسم آخرين، ويتم التركيز على الاتصالات التي يتلقاها الشخص من الخارج، ومضمونها حتى ولو كانت بداعي الاطمئنان، ثم يجري تحديد ما إذا كان الشخص من مستخدمي الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وما إذا كان من هواة فتح العلاقات على الانترنت، أو أنه يخوض في نقاشات سياسية وعقائدية.
وبتحليل عدة أضابير تبين أن مخابرات النظام تملك عناوين البريد الالكتروني لكل شخص وكلمات المرور السرية، ونوع الحاسوب المستخدم.
وفي تحليل الجانب المالي، تظهر خانات تحدد ما يحوزه الشخص من حسابات بنكية، وحجم الأموال المودعة، وكذلك الحوالات التي تلقاها وطبيعتها، وبعدها يتم تحديد الممتلكات غير المنقولة، والدّيون، وأسبابها، وأصحابها، وطريقة تسديدها المفترضة.
في خانة الأصدقاء والمعارف والأقارب، يجري التدقيق بهوية الأقارب الموجودين خارج سوريا "حتى الدرجة الرابعة"، وعملهم، وانتماءاتهم السياسية، أضف إلى تفاصيل تتعلق بالأقارب والمعارف "المشبوهين".
وتشير إحدى الأضابير وهي تعود لشخص درس في ألمانيا وهو موظف حالي في هيئة مهمة، إلى أن هذا الموظف اعتدى مع أشخاص نافذين على معارض سوري أثناء فترة دراسته في تسعينيات القرن الماضي، حيث قام هذا الشخص مع آخرين بينهم جمال الكسم نجل رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الكسم، رئيس مكتب الأمن القومي آنذاك، بتهديد شخص تقدم للجوء في ألمانيا باستخدام "السكين" وطلبوا منه العودة إلى سوريا، وإلا فإنه سيتم اعتقال أهله هناك.

واللافت أن هذه التفاصيل وردت في حاشية الإضبارة باللون الأحمر، مع التأكيد على أن الموظف المذكور لم يخبر "هيئة الطاقة" بهذه التفاصيل، ما يعني أن على أي موظف تقديم كل تفصيل في حياته، وأن من يقوم على تنظيم هذه الأضابير هي جهة استخباراتية تمتلك أذرعاً خارجية، وهي متخصصة في نبش تاريخ كل شخص بطريقة احترافية تقوم على تحليل الجوانب النفسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية لكل شخص.
علي عيد - زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية