لم تعد إعادة إنتاج النظام في سوريا فكرة متخيلة، أو مجرد تخمين وتحليل سياسي يحمل طابع التحذير، إنما حقيقة واقعة، وما كان يجري ضمن قنوات سرية في وقت سابق، ها هو اليوم يحصل على رؤوس الأشهاد، وما زيارة الرئيس السوداني وإعادة فتح سفارتي الإمارات والبحرين إلا مقدمة لما هو أوسع، وقد يبلغ ذروته في "قمة العرب" خلال آذار المقبل، هذا إن لم نشاهد بشار الأسد يحاضر بالرؤساء العرب خلال القمة الاقتصادية في بيروت الشهر الجاري.
مع غياب أي اعتراض أمريكي أو إسرائيلي على إعادة إنتاج النظام، فلا شيء يمنع الساسة العرب من العودة إليه مادامت "النكاية السياسية" هي التي ترسم مسار تحرك الكثير من الأنظمة العربية، ولن نخترع الدولاب إذا قلنا إن التهافت باتجاه النظام يأتي من باب النكاية بتركيا وقطر، وسواء صح ذلك أم لم يصح فإن حالة التطبيع العربي مع دمشق جارية على قدم وساق وربما ستصبح أمرا واقعا وعاما خلال الشهور القليلة المقبلة.
السؤال المهم هنا هو: ماذا بعد؟
المعارضة هي المعنية قبل غيرها بالإجابة عليه، ولا يبدو أن لديها تصورا بسيطا عما يجب القيام به، فحالة الانكفاء والتخفي هي الغالبة على معظم شخصياتها، حتى من الناحية الإعلامية، أما بعض التشكيلات الحزبية والتيارات السياسية، فهي ليست خارج دائرة الفعل وحسب وإنما خارج رد الفعل أيضا. وإذا ما استمر ذلك فإن المعارضة تعيد إنتاج الطريقة نفسها التي كانت تعيشها خلال العقدين السابقين للعام 2011، حيث الغياب الكامل عن الواقع السوري، والاكتفاء ببيانات لا قيمة لها وتعليقات رتيبة مملة على بعض الأحداث.
وإن كان لتلك المعارضة مبررات لعجزها سواء تلك المتعلقة بقوة النظام وعدم امتلاك قاعدة شعبية بسبب الغياب الطويل عن تفاصيل البلد وغيرها الكثير، فما هي مبررات المعارضة الحالية في ظل وجود ملايين اللاجئين الذين يعارضون النظام، ووجود بعض المساحات الدولية الرافضة لاستمرار النظام بشكله الحالي في حكم سوريا، إضافة إلى أن تجربة سنوات الثورة يفترض أنها صقلت خبراتها.
من الوهم القول إن المعارضة ستستطيع إجراء تحول حقيقي في سوريا في ظل الواقع الدولي الحالي، رغم أنه واقع متحرك قد يغير المشهد بين ليلة وضحاها، لكنها بلا شك مطالبة بالتحرك والتحضير لمرحلة مقبلة قد نشهد فيها ازديادا في قوة النظام وإمساكه بمقاليد الأمور أكثر فأكثر سواء عن طريق الروس أو غيرهم، وهنا لا أشير إلى شهر وشهرين وسنة، فالمسألة قد تمتد لما هو أبعد من ذلك.
التحضير لما هو مقبل لا تقع مسؤوليته على الرموز التقليدية التي اعتدنا وجودها خلال السنوات الماضية فقط، بل أيضا على عاتق جيل جديد عايش التجربة السورية بكامل تفاصيلها في الداخل والخارج، وهو أولى بالتحرك قبل غيره إن كان لا يريد أن يدفن في المنافي.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية