أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

قبل الدفن في المنافي.. حسين الزعبي*

لاجئ سوري في أحد مخيمات لبنان - أرشيف

لم تعد إعادة إنتاج النظام في سوريا فكرة متخيلة، أو مجرد تخمين وتحليل سياسي يحمل طابع التحذير، إنما حقيقة واقعة، ‏وما كان يجري ضمن قنوات سرية في وقت سابق، ها هو اليوم يحصل على رؤوس الأشهاد، وما زيارة الرئيس ‏السوداني وإعادة فتح سفارتي الإمارات والبحرين إلا مقدمة لما هو أوسع، وقد يبلغ ذروته في "قمة العرب" خلال آذار ‏المقبل، هذا إن لم نشاهد بشار الأسد يحاضر بالرؤساء العرب خلال القمة الاقتصادية في بيروت الشهر الجاري.‏

مع غياب أي اعتراض أمريكي أو إسرائيلي على إعادة إنتاج النظام، فلا شيء يمنع الساسة العرب من العودة إليه ‏مادامت "النكاية السياسية" هي التي ترسم مسار تحرك الكثير من الأنظمة العربية، ولن نخترع الدولاب إذا قلنا إن ‏التهافت باتجاه النظام يأتي من باب النكاية بتركيا وقطر، وسواء صح ذلك أم لم يصح فإن حالة التطبيع العربي مع دمشق ‏جارية على قدم وساق وربما ستصبح أمرا واقعا وعاما خلال الشهور القليلة المقبلة. ‏

السؤال المهم هنا هو: ماذا بعد؟ ‏

المعارضة هي المعنية قبل غيرها بالإجابة عليه، ولا يبدو أن لديها تصورا بسيطا عما يجب القيام به، فحالة الانكفاء ‏والتخفي هي الغالبة على معظم شخصياتها، حتى من الناحية الإعلامية، أما بعض التشكيلات الحزبية والتيارات ‏السياسية، فهي ليست خارج دائرة الفعل وحسب وإنما خارج رد الفعل أيضا. وإذا ما استمر ذلك فإن المعارضة تعيد ‏إنتاج الطريقة نفسها التي كانت تعيشها خلال العقدين السابقين للعام 2011، حيث الغياب الكامل عن الواقع السوري، ‏والاكتفاء ببيانات لا قيمة لها وتعليقات رتيبة مملة على بعض الأحداث.‏

وإن كان لتلك المعارضة مبررات لعجزها سواء تلك المتعلقة بقوة النظام وعدم امتلاك قاعدة شعبية بسبب الغياب الطويل ‏عن تفاصيل البلد وغيرها الكثير، فما هي مبررات المعارضة الحالية في ظل وجود ملايين اللاجئين الذين يعارضون ‏النظام، ووجود بعض المساحات الدولية الرافضة لاستمرار النظام بشكله الحالي في حكم سوريا، إضافة إلى أن تجربة ‏سنوات الثورة يفترض أنها صقلت خبراتها.‏

من الوهم القول إن المعارضة ستستطيع إجراء تحول حقيقي في سوريا في ظل الواقع الدولي الحالي، رغم أنه واقع ‏متحرك قد يغير المشهد بين ليلة وضحاها، لكنها بلا شك مطالبة بالتحرك والتحضير لمرحلة مقبلة قد نشهد فيها ازديادا ‏في قوة النظام وإمساكه بمقاليد الأمور أكثر فأكثر سواء عن طريق الروس أو غيرهم، وهنا لا أشير إلى شهر وشهرين ‏وسنة، فالمسألة قد تمتد لما هو أبعد من ذلك.‏

التحضير لما هو مقبل لا تقع مسؤوليته على الرموز التقليدية التي اعتدنا وجودها خلال السنوات الماضية فقط، بل أيضا ‏على عاتق جيل جديد عايش التجربة السورية بكامل تفاصيلها في الداخل والخارج، وهو أولى بالتحرك قبل غيره إن كان ‏لا يريد أن يدفن في المنافي.

*من كتاب "زمان الوصل"
(187)    هل أعجبتك المقالة (191)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي