أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

اقتتال الفصائل واستمراء الكذب...ماهر شرف الدين*

السكوت عن حقيقة هذه الفصائل، المتحلّلة من كلّ مسؤولية، صار جريمةً

لا يكاد يمرُّ شهرٌ على المناطق التي اصطُلحَ على تسميتها بـ"المحرَّرة"، إلا وينشب اقتتالٌ دامٍ بين فصائل مسلَّحة يدَّعي كلٌّ منها بأنه حامل الراية الثورية، بطبعتَيْها الوطنية والإسلامية. ولو وُضِعَتْ تلك الفصائل في ميزان الوطنية والإسلام لما كانت أكثر من تجمُّعات مسلَّحة عديمة الإحساس بأيّ معنى من معاني المسؤولية الطبيعية تجاه أهلها ومجتمعها، فما بالكم بالمسؤولية الثورية!

ولا أُخفيكم بأنه طُلِبَ منّي في الأيام الفائتة، من قبل أحد تلك الفصائل، أن أستحثَّ قلمي في فضح بغي "جبهة النصرة" عليها. وبكلّ صراحة لقد اعتذرتُ عن فعل ذلك لسبب بسيط وجوهري في الآن ذاته. فحقيقة أنَّ كون الطرف الباغي في كلّ مرَّة هو "جبهة النصرة"، لا تكفي للشهادة بحسن سلوك بقية الفصائل التي تقاتل ضدَّها.

فأنا، منذ الخيانة الكبرى في تسليم مدينة حلب، والتي كانت القطرة التي طفح بها الكيل، لم أعد أنظر إلى دور تلك الفصائل خارج إطار الارتزاق للجهة التي تدفع. كما أن غياب المشروع الوطني -وبهذا الشكل الـمُزري- عن أجندة معظم الفصائل يكاد أن يضعها في كفَّة واحدة مع "جبهة النصرة".

وإلَّا، فليدلّني أحدكم على أيّ فرق جوهري بين تلك الفصائل وفصيل "النصرة"، سوى مبايعة الأخيرة لـ"تنظيم القاعدة"؟ في معنى أنه لو حدثَ أن تخلَّى الجولاني عن بيعته للظواهري فسيصعب على أيّ منَّا تحديد فرق حقيقي -على صعيد غياب المشروع الوطني- بين فصيله وبقية الفصائل.

أليس خيانةً لدورنا، كأقلام للثورة، أن ندافع عن فصائل "فضيلتها" الوحيدة تكمن في أنها لم تُبايع "القاعدة"؟

أليس استمراءً للكذب أن نستمرّ في استعمال دشداشة الجولاني لستر عورات من لا يختلفون عنه كثيراً في عدائهم للخطاب الوطني الجامع؟
لا أعرف بماذا يختلف نهج بقية الفصائل عن نهج "النصرة". لا أعرف بماذا تختلف مكائد الفصائل لبعضها بعضاً عن مكائد "النصرة" لها. بل لا أعرف كيف نستطيع التمييز بين سلوك الفصائل مع المناطق التي تحكمها وسلوك "النصرة" مع المناطق التي تحكمها (هل ظلام سجون الفصائل أقلّ حلكةً من ظلام سجون "النصرة"؟).

***

لقد سادَ الاستبداد بالتقنية القديمة ذاتها التي سادَ بها الاستعمار: فَرِّقْ تَسُدْ.

لذلك فإنَّ الضربة الفكرية العميقة التي تلقّتها الثورة كانت في تبنّيها عَلَم "الثورة السورية الكبرى" دون تبنّيها شعار تلك الثورة: "الدين لله والوطن للجميع". كانت في تبنّيها شكل العَلَم دون تبنّي مضمونه، حتى بات هذا العَلَم -الذي تمَّ تفريغه من معناه- أشبه بشيك بلا رصيد.

***

إنَّ ضحية الاقتتال الدائر، والدائم، بين الفصائل ليس الناس الأحياء فحسب، بل أيضاً الناس الموتى الذين قضوا كشهداء لحلمٍ راودَ أجيالاً سوريَّةً كاملةً قبل أن يجرؤ جيلٌ شجاعٌ على أن يجهر به ويجهر بقبوله دفع الثمن الباهظ له.

إنَّ من بين ضحايا هذا الاقتتال أسماء الذين استشهدوا في مطلع الثورة لتحرير المناطق التي أُعيد احتلالها تحت عناوين لا تمتّ إلى الحرية بصلةٍ، ولا إلى الوطنية بصلةٍ، ولا إلى الثورة بصلةٍ.

إنَّ من بين ضحايا هذا الاقتتال أسماء شهداء ربَّما أسعفهم الحظّ بأنهم استشهدوا على يد ميليشيات النظام وليس على يد "إخوة السلاح".

السكوت عن حقيقة هذه الفصائل، المتحلّلة من كلّ مسؤولية، صار جريمةً تستحقّ أن يلعننا التاريخ عليها. وإذا كان الساكتُ في الماضي يجيب عندما يُسأل عن شيء فيه حَرَج: "في فمي ماء". فنحن أيتام هذه الثورة في فمنا دماء، بل ودماء كثيرة يكفي أن نفتح أفواهنا لها ونتركها تتكلَّم.

*معارض سوري - من كتاب "زمان الوصل"
(208)    هل أعجبتك المقالة (236)

عبدالله العثامنه

2019-01-08

جبهة النصره تمتعت بايران؛ صارت متاع..


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي