بالأمس تزامن لقاء الدكتور رياض حجاب المنسق العام لهيئة التفاوض مع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، مع لقاء رئيس الائتلاف أنس العبدة في أنقرة للوزير التركي.
كشف هذا اللقاء عن التنافس الباطني والمخفي بين التكتلين، بل والأكثر من ذلك كشف عن حالة الجزر المعزولة بين الطرفين، ذلك أن لقاءين منفصلين في يوم واحد لمكونين يحملان نفس القضية لا مبرر له، ولا يمكن قراءته إلا في إطار حالة الصراع على الزعامة والقيادة، لكن على ماذا!؟
هذه ليست المرة الأولى التي يكرر فيها الائتلاف دور الهيئة العليا للتفاوض، ففي الشهر الماضي ما إن انتهى الدكتور رياض حجاب من جولته الأوروبية، حتى بدأ رئيس الائتلاف أنس العبدة زيارة إلى دول الاتحاد الأوروبي. حسنا، فليكن هذا من أجل الثورة السورية وفي إطار العلاقات الدولية، لكن ألم يكن ممكنا التنسيق المشترك وتقسيم العمل من أجل هذه الثورة.
صراع التمثيل، بدأ يطفو على السطح جهارا نهارا، لكن هذه المرة "الفضيحة" على رؤوس الأشهاد وأمام دول تعتبر صديقة للشعب السوري (تركيا ودول الاتحاد الأوروبي). ذلك أنه لا مبرر لأي طرف من الأطراف أن يؤدي ذات الدور بشكل يعكس انعدام الوزن السياسي للمعارضة السورية.
بدأت حالة التنافس منذ مؤتمر الرياض في العاشر من شهر ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي، حين تشكلت هيئة التفاوض المنبثقة من مؤتمر الرياض من 34 شخصية حصل الائتلاف على 9 أعضاء من بين الـ34 عضواً، حينها شعر الائتلاف أن البساط سُحب من تحت أقدامه، ووفقا لما قالته شخصية بارزة في الائتلاف حينذاك "لقد مات الائتلاف".
رئيس الائتلاف خالد خوجة آنذاك كان من أحد الشخصيات التي دفعت باتجاه مؤتمر الرياض، والبعض رأى في هذا التوجه تأديب "صبيانية" الائتلاف، فضلا عن انسجامه وقناعته بأهمية وجود حجاب في هذه الفترة من عمر الثورة، تجرع الائتلاف السم بقبول مخرجات مؤتمر الرياض، خصوصا بعد تشكيل هيئة التفاوض، لكنه حاول فيما بعد اللعب من تحت الطاولة حين شكل المنسق العام رياض حجاب وفد التفاوض.
كان الائتلاف، وتحديدا الهيئة السياسية، يريد فرض شخصيات معينة كانت قد شاركت في جولة جنيف2، ويرى أن ملف التفاوض يهيمن عليه أعضاء بارزون في الائتلاف، لكن حجاب أراد هذه المرة نسف قواعد اللعبة وعدم اتباع منهج الشللية في عملية التفاوض، وذهب إلى إبراز قيادات عسكرية من بينهم محمد علوش كبير المفاوضين وأسعد الزعبي رئيسا للوفد.
وبحسب مصادر خاصة لـ"زمان الوصل" فإن الهيئة السياسية توسّط الولايات المتحدة الأمريكية لدى حجاب من أجل إدخال شخصية رفيعة في الهيئة السياسية، إلا أن حجاب أصر على استبعاده والمضي بتشكيلته.
اعتبر الائتلاف تمسك حجاب بالوفد، رسالة تحدٍّ إلى الائتلاف، وذهب إلى تمكين العلاقة من القاعدة العسكرية، التي في ذات الوقت تنظر إلى حجاب بإيجابية، وشن الائتلاف عبر وسائله الخاصة حرب على هيئة التفاوض، من بينها تسجيل لشخصية اعتبارية – وقع خطأ بيد شخصية عضو من أعضاء هيئة التفاوض، مؤدى هذا التسجيل هو تحريض العسكر ضد حجاب.
الغريب في الأمر، ورغم حالة الصراع هذه، يرفض العديد من أعضاء الائتلاف الخوض في حديث الصراع بين الطرفين، وقد حاولت "زمان الوصل" الحديث مع شخصيات نافذة في الائتلاف، إلا أنها فضلت عدم التحدث في هذا الأمر، دون أن تنفي حقيقة هذا التنافس أو الصراع – إن صح التعبير-.
مضى الكثير من الوقت الذي يجعل المعارضة السياسية تنضج، لكنها حتى الآن مازالت في طور التدريب على أكتاف الشعب السوري، ولعل مقولة "أن المعارضة السياسية أحد أهم أسباب تعثر الثورة"، باتت الآن أكثر صدقية من أي وقت مضى، فالتشكيلات السياسية بدءا من المجلس الوطني إلى الائتلاف وصولا إلى هيئة التفاوض لم تخلُ من "اللكمات تحت الحزام"، وربما التآمر، هنا الكل يتحمل مسؤولية هذه الفوضى السياسية دون استثناء، ذلك أن المعارضة باتت، شئنا أم أبينا، هي الممثل الشرعي للثورة السورية.
إن التاريخ لا يمكن أن يغفر للائتلاف خطيئته في العام 2012 حين دب الصراع بين تياراته على من يتولى رئاسة الحكومة، في ذلك الحين رفض "الصقور" منهم تولي رياض حجاب رئاستها على أنه "بعثي" خرج من رحم النظام، ليسيطر بعد ذلك تنظيم "الدولة الإسلامية" والنصرة على مؤسسات الدولة المحررة وتخرج المعارضة خالية الوفاض من ساحة الصراع، وبعد عام كامل على النقاش حول رئاسة الحكومة ذهب تيار ما في سبتمبر 2013 لتنصيب الدكتور أحمد طعمة رئيسا للحكومة، الغريب أن هؤلاء الذين رفضوا تولي حجاب لرئاسة الحكومة المؤقتة هم إلى جانبه واقتنعوا بأنه الآن ليس بعثيا بعد أن جربوا فينا ما جربوا من خيبات وعثرات حكومة كانت عبئا على السوريين.
هذه الفرصة المليون للمعارضة السياسية لتكون على قلب رجل واحد وتمثل هذه الثورة التي دفع ثمنها السوريون دماء غالية.
ومرة أخرى بين اسطنبول والرياض تتمزق أحلام السوريين في رؤية معارضة منسجمة على خطى الثورة العظيمة، لا أمل بعد اليوم في هذا النوع من السياسيين، هي معارضة فاشلة ومنتج لا يليق بالثورة، تستخدم هذه المعارضة كل الوسائل المباحة وغير المباحة من أجل البقاء، وتستقوي فيما بينها بالدول، حتى أقحمت هذه الدول الصديقة في خلافات معيبة بدلا من أن تستثمر هذه الدول في مصلحة الثورة، هل تلاحظون أن كل صراعات المعارضة ليست من أجل الثورة!؟
عبدالله الغضوي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية