خانتها المعارضة وأجهزت عليها داعش

مثل كثيرين غيري أعتقد أن الرسالة الأولى لحرق الكنائس في الرقة لم تكن موجهة للمسيحيين بل وجهتها دولة الإسلام في العراق والشام لكتائب الحر وباقي التشكيلات المقاتلة المتواجدة في المدينة، والذين أعلنوا حمايتهم للمقدسات والممتلكات منذ مطلع آذار الفائت يوم "التحرير" ، وكانت الكنائس على وجه الخصوص من بينها، وبقيت كذلك لم يمسها أحد بسوء ما يزيد على سبعة أشهر.
وبأفعالها الشنيعة ذات الأبعاد السياسية والاجتماعية الخطيرة، داعش تقول لهم ولأهالي الرقة جميعاً وبوضوح لقد انتصرنا عليكم.
وهنا لا أقلل من خطورة الرسالة الموجهة للمسيحيين ولغيرهم من الطوائف والمذاهب والإثنيات، رسالة قد تهدد بإفراغ سوريا فيما إذا تفاعل معها المجتمع بشكل سلبي، وفيما اذا استمرت المعارضة في تمييع المواقف والاستقواء على بعضها بالدول التي تلعب بها جميعاً.
المؤسف هو طغيان اسم "داعش" على تغطية الحدث في الوقت الذي تُهمَل فيه "قوى المجتمع الأهلي" وكأنه يراد لها أن تبدو مشلولة تماماً، فعلى سبيل المثال بقيت لافتات السيدة سعاد نوفل وجرأتها واعتصامها وحيدة لأكثر من ثلاثة أشهر وما تعرضت له مؤخراً من إطلاق للرصاص وإهانتها من قبل عناصر قالت أنهم يتكلمون بلهجة تونسية، حبيسة صفحتها على الفيسبوك وبعض الأصدقاء، ولم يحظ المقطع المصور لمظاهرة شباب الرقة على اليوتيوب بمشاهدة تليق بما قام به هؤلاء الشبان السلميون العزل الذين خرجوا للشارع متحدين البنادق الموجهة لصدورهم في مشهد يعيد للبال أيام الثورة الأولى.
لا تذكر الرقة اليوم إلا ومزيج من إحباط وتشاؤم وتململ يرافق اسمها وكأنها باتت مدينة للأشباح، فلمصلحة من تكوين تلك الصورة الذهنية عنها؟
في حزيران الفائت وقفت نساء الرقة في اعتصام سلمي استمر أياماً أمام مقر داعش مطالبين بإطلاق سراح أبنائهم المحتجزين لديها، ووقف معهم شباب مدنيون ينتمون لما يقارب 33 تجمعاً تم تأسيسهم خلال الأشهر الأخيرة، وفي آب الفائت احتجت حركة "حقنا" على قيام عناصر من داعش بتفكيك مقرات "سيرياتيل" والتي تحتوي على شرائح الصيانة الخاصة بأبراج التغطية وعلى أثرها اعتقل عدد من أفراد الحركة، وغيرها الكثير من ممارسات على الأرض كانت كلها لا تعيد الأمل بقدرة المجتمعات على مواجهة العسكر بالعمل السلمي المدني فحسب؛ أيّاً كان هؤلاء العسكر، بل كانت تثبت أن المجتمعات قادرة على الفعل وعلى المواجهة من أجل الحرية متى ما نظمت نفسها وخططت نشاطاتها، وجعلت احتجاجاتها تتسق مع البيئة المحلية التي تنشط فيها.
كان يمكن لحراك الرقة أن يؤسس لمشهد سوري "مشتهى"، وأن يفتح الباب أمام قوى المجتمع جميعها للتفاعل وإنتاج خطاب جديد، خطاب ينتزع الحقوق من حملة السلاح، ويتمكن من تدبير شؤون الإدارة المحلية، ويؤمن للمواطن العيش الكريم بعيداً عن العنف والقمع والإقصاء الذي عاشه المجتمع السوري لعقود طويلة، فلماذا يا ترى ساهمت قوى المعارضة السياسية في خنق صوتها ولماذا يتركون أبنائها وبناتها مختطفين أو مشاريع مختطفين، ولماذا لم يمنحوها أي دعم أو اهتمام أو حتى زيارة، وهي مدينة الكنوز الأثرية، والزراعية، والنفطية والتي كان يراهن عليها الشارع الثائر لتكون نموذجاً لسوريا الجديدة؟
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية