يقدمُ مسلسل "زنود الست"، الذي كتبه رازي وردة وأخرجه نذير عواد، كيفية تحضير بعض المأكولات الشامية بطريقة تمثيلية، (كوميدية) ويستعرض بعض مفردات الحضارة المدينية الشامية.
في الحلقة الرابعة منه، تأتي سيدة سعودية اسمها "عنود" برفقة السيدة سامية الجزائري لزيارة السيدة وفاء موصلي (عايشة خانوم) في بيتها الشامي السياح النياح، وتعلن عن رغبتها في الإقامة معها بعض الوقت، فتقبل عايشة العرض بحماس..
لا تكترث "عنود" للفرجة على ترتيب البيت والمفروشات التي تنم عن ذوق شرقي أصيل، رفيع، بل إنها تُنعم النظر في وجه "عايشة" حتى تضجر منها وتسألها عن السر الذي تحمله، فتقول "عنود" ما معناه، إن زوجها السعودي مدمن الفرجة على المسلسلات (الشامية)، وهو، حينما يرى السيدة الشامية تدلل زوجها وتقول له (تشكل آسي ابن عمي!!!!!!!!!) ينجذب ويقول لها: اسمعي عنود، هكذا تكون النسوان، أو لا تكون أبداً.
بدأت ما تسمى (موجة مسلسلات البيئة الشامية) في سنة 1992 مع مسلسل أيام شامية الذي كتبه أكرم شريم، وأخرجه بسام الملا بطريقة ساحرة جعلت الناس يظنون أن الأيام القديمة، رغم فقرها، وقلة أدوات الرفاهية فيها، هي الأفضل، والأجمل، والأشرف!
وكان أكرم شريم قد رسم في مسلسله صورةً للزعيم الفرد (الكبير) الذي يدير خيوط الحارة بقوة، وجبروت، وحب، وشرف، وأمانة!!.. (لعب الدور الفنان رفيق السبيعي)، فأخذ الإعلاميون الكبار المُطعَّمون على ضباط مخابرات يشيعون بين الناس أن هذا (الكبير) يرمز للقائد التاريخي الرمز حافظ الأسد!.. وسربوا هذه المعلومة للأسد شخصياً، فأصدر (سيادتُه) مشيئة رئاسية (مُلهمة) تقضي بإنتاج جزء ثان من المسلسل..
ولم يصطبر ضباط المخابرات الإعلاميون حتى تعجن الحلوة دي (بتاعة السيد درويش) في الفجرية، بل ذهبوا، تحت جنح الليل، إلى الكاتب النحرير أكرم شريم، ودُفعوا له سلفة (محرزة) لأجل تنفيذ المشيئة وكتابة جزء ثاني، فأخذها الرجل، من فم ساكت، وشكرهم.. وصرف السلفة (على الملذات الشخصية)، ولم يكتب جزءاً ثانياً ولا ثالثاً، وماتت السلفة على الهيئة، بفعل التقادم..
في سنة 2006 عاد الحنين لبسام الملا فقدم لنا المسلسل الذي حاز أكبر شهرة بين المسلسلات العربية بعد (ليالي الحلمية)، أعني مسلسل "باب الحارة" الذي يقدم لنا الحارة الشامية كما كانت في "أيام شامية" (وأزود).. قدمها على أنها حارة ذكورية، النساء فيها ليسوا سوى (حرملك) يتبارين في إرضاء الذكر بالعبارات التي يحبها زوج العنود (تقبرني.. تشكل آسي.. ترش المازهر على قبري!).. وهي حارة مغلقة لها باب يُفْتَحُ ويُغْلَقُ ويُحْرَس، لا يوجد فيها (دولة مدنية) وإنما تُحكم بالعادات الحسنة، والتقاليد الرائعة، ومبادىء الشرف والأخلاق، والكبير..
أصبح إنتاج جزء جديد من (باب الحارة) عمل الذين لا عمل لهم من المنتجين، فهو إنتاج رابح، لأن الشعوب العربية لم تكن تصطبر، في أيام رمضان، مجيء اليوم التالي لتتفرج على الحلقة التالية، بل كانوا يهبون لشراء الحلقات كلها من شركات الفيديو التي كانت على استعداد لأن ترش لهم فوق كل حلقة حبة مسك، شريطة أن يدفعوا أموالهم لها لقاء الحصول على هذه السخافة الجميلة.
كتب الجزء الأول كل من مروان قاووق وكمال مرة، والثاني والثالث كتبهما القاووق، ثم كتب "مرة" جزءاً آخر، وهكذا دوليك..
المنتجون الآخرون لم يرضوا لأنفسهم أن يجلسوا ويتفرجوا على النجاحات الجماهيرية الهائلة لفريق "باب الحارة".. فقام مروان قاووق وأحمد حامد وكتاب آخرون بتأليف موجة عارمة من المسلسلات، أنتجتها شركات أخرى، القاسم المشترك بينه هو أنها تقلد أهل "باب الحارة" في مط اللسان أثناء الحكي، ووضع الرجل للخنجر في مقدمة جسمه، والمشي على العريض بطريقة (خصلة وعنقود والباقي فراطة)..
الغريب في الأمر أن هؤلاء الذين أفنوا أعمارهم في تعليمنا قيم الرجولة والوقوف في وجه الظلم والاستبداد.. وقفوا، عندما قامت الثورة، علناً، وصراحة، ومن دون مواربة إلى جانب الحكم الديكتاتوري الشمولي الوراثي!
تكبير!
خطيب بدلة - زمان الوصل - زاوية: دراما الثورة السورية
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية